التغلب على الانحيازات السلوكية الشائعة لصالح استثمارك
عند حديث الكثيرين عن اختيار الاستثمارات “الصحيحة”، فإنهم غالباً ما يستندون في قراراتهم إلى البحث والحصول على فهم جيد للاستثمار.
ومع ذلك، يمكن للمبتدئين وكذلك المستثمرين المخضرمين أن يتأثروا بالعواطف أو أن يرتكبوا أخطاء أثناء معالجة المعلومات.
يعد هذا جانباً حاسماً مرتبطاً بالغريزة البشرية التي توجه عملية اتخاذ القرار نحو الاستثمار والادخار، والمعروفة أيضاً باسم الانحيازات السلوكية.
وعلى الرغم من أننا قد لا نتمكن من القضاء على هذه الانحيازات تماماً، إلا أنه من المهم فهمها لتجنب اتخاذ قرارات غير عقلانية قد تؤثر سلباً على ثروتنا.
أحد المبادئ الأساسية في إدارة الثروة هو الانضباط.يساعد الانضباط على إزالة العواطف من قرارات الاستثمار (في الأوقات الجيدة والسيئة) ويضمن الحفاظ على التركيز نحو أهدافك الاستثمارية طويلة المدى. يتطلب الانضباط الوعي بالانحيازات السلوكية التي تؤثر على عملية اتخاذ القرار، والتخفيف من حدتها عبر وضع خطة استثمارية توضح كيف ستستثمر، وعدد مرات الاستثمار، لترسيخ الانضباط في إدارة ثروتك.
هل تبدو لك أي من الانحيازات السلوكية الستة التالية مألوفة؟
1. انحياز التأكيد
أحد أكثر الانحيازات شيوعاً هو انحياز التأكيد، أي البحث عن إثبات لشيء ترغب في الاعتقاد بصحته. إن رغبتك في تصديق أمر ما تدفعك إلى تفضيل المعلومات التي تتماشى مع معتقداتك، واستبعاد المعلومات التي لا تتوافق معها.
على سبيل المثال، إذا كان شخص ما يعتقد أن شركة طاقة معينة هي استثمار جيد، فسوف يبحث عن المعلومات والأخبار التي تظهر الشركة بصورة إيجابية، متجاهلاً المؤشرات السلبية.
يكمن سر التغلب على انحياز التأكيد في الانضباط. احرص على الحفاظ على رؤية شاملة للاستثمار، وتوسيع نطاق بحثك عن الرؤى والآراء ليشمل مجموعة من المصادر الموثوقة والبيانات. فهذا لن يزوّدك فقط بمصادر تتحدَّى انحيازك، بل سيمنحك أيضاً منظوراً أكثر توازناً بشأن الفرصة الاستثمارية التي تبحث فيها.
2. انحياز المعلومات
يعد انحياز المعلومات شائعاً بشكل خاص في ظل دورة الأخبار المتسارعة اليوم، مع العناوين المتكررة التي تجذب انتباهنا وتشتتنا عن خطتنا الاستثمارية طويلة المدى.
يؤدي هذا إلى تقييم الشخص لمعلومات قد تكون غير ضرورية أو غير ذات صلة.
على سبيل المثال، قد يتخذ بعض المستثمرين قرارات بشراء أو بيع استثمار بناءً على تحركات الأسعار اليومية، أو على عناوين الأخبار التي تثير رد فعل عاطفي. إن التركيز على تقلبات السوق قصيرة المدى واتخاذ القرارات بناءً على العاطفة سيؤدي غالباً إلى خسائر غير ضرورية
يعد التغلب على انحياز المعلومات أمراً مهماً لتحقيق أهدافك المالية طويلة المدى. وبما أن تحركات السوق يصعب التنبؤ بها، خصوصاً على المدى الزمني القصير، فمن المهم الالتزام بالانضباط، والحفاظ على التركيز نحو المدى الطويل. وقد أثبت التاريخ أن احتمالية تكبد الخسائر تقل مع فترات الاحتفاظ طويلة المدى.
3. النفور من الخسارة
الشخص الذي يعاني من النفور من الخسارة هو من لديه رغبة أكبر في تجنب أي مخاطرة قد تؤدي إلى خسارة، بدلاً من السعي وراء مكسب مماثل. ببساطة، يفضل هذا الشخص ألا يخسر 1000 دولار على أن يربح 1000 دولار.
يمكن تجنب النفور من الخسارة بعدم التعلق العاطفي بالاستثمارات، إذ يدرك المستثمرون الناجحون أهمية الفصل بين عواطفهم وشؤونهم المالية. كما يكمن في معرفة متى لم يعد يصب الاستثمار في مصلحتك، وقطع الخسائر في الوقت المناسب لمنع المزيد منها.
ومن الوسائل المجربة لترسيخ الانضباط تضمين أمر إيقاف الخسارة (مستوى محدد مسبقاً) لبيع الاستثمار إذا انخفض سعره عن مبلغ معين.
4. انحياز الحداثة
احذر من انحياز الحداثة، وهو إعطاء أهمية مفرطة للتجارب الأحدث في ذاكرتك. يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة بعد فترات الأداء القوي أو الضعيف. قد يدفع انحياز الحداثة المستثمرين إلى الاعتقاد بأن موجة بيع أو صعود حالية في سوق الأسهم ستستمر مستقبلاً، مما يؤدي بهم إلى اتخاذ قرارات قصيرة المدى لا تتماشى مع خططهم المالية طويلة المدى. ويمكن أن يترتب على ذلك آثار سلبية على ثرواتهم.
مثال على ذلك هو موجة الصعود في الأسواق عام 2021. ارتفعت أسواق الأسهم بشكل كبير بعد تفشي جائحة كوفيد. الأسهم المسماة “ميم” ‘Meme’ اكتسبت شهرة واسعة بفعل الزخم الاجتماعي، وارتفعت بقوة رغم ضعف إيراداتها وارتفاع تقييماتها بشكل مبالغ فيه. ومع صعود هذه الأسهم وارتفاع أسعارها أكثر فأكثر، أصبحت معادلة المخاطرة مقابل العائد شديدة الارتفاع. ومع ذلك، واصل العديد من المستثمرين شرائها متجاهلين معايير التقييم الأساسية التقليدية، معتقدين أن صعودها وشعبيتها القوية سيستمران. وللأسف، تكبد كثير من المستثمرين خسائر فادحة عندما انهارت هذه الأسهم “الميم” في أواخر 2022.
وينطبق الأمر نفسه على موجات البيع في الأسواق. ومع كون عام 2022 من أسوأ الأعوام من حيث العوائد على مختلف فئات الأصول منذ عقود، قد يتردد كثير من المستثمرين في الاستثمار رغم جاذبية التقييمات الأساسية. من المهم الانتباه لانحياز الحداثة عند إدارة محفظتك الاستثمارية. احرص على تقييم الفرص الاستثمارية بناءً على مقوماتها الأساسية، لا على أدائها السابق.
5. انحياز الألفة
تولد الألفة شعوراً بالراحة، وبالنسبة للمستثمرين، يقود ذلك إلى انحياز الألفة عند البحث عن فرص للاستثمار، سواء في شركة أو قطاع أو منطقة أو دولة. على سبيل المثال، يُظهر الموظفون ميلاً أكبر للاستثمار في أسهم شركاتهم. لكنهم قد يتعرَّضون لخسارتين إذا كان أداء الشركة ضعيفاً: خسارة الدخل كموظف وخسارة العائد الاستثماري كمستثمر.
مثال آخر هو الاكتفاء بالاستثمار في أسهم الشركات المحلية. فقد تشعر بالارتياح تجاه العلامات التجارية أو الخدمات المحلية، فتختار الاستثمار في هذه الشركات فقط لكونك معتاداً عليها. إلا أن هذا يعرّضك لمخاطر التركيز، ويؤدي إلى محافظ أقل تنوعاً وأقل كفاءة.
يمكنك تجاوز انحياز الألفة من خلال تنويع استثماراتك تدريجياً عبر شركات وقطاعات ودول ومناطق متعددة. وبذلك، يمكنك تقليل مخاطر محفظتك وتحقيق عوائد أكثر استقراراً.
6. تأثير الركوب مع الموجة
الشخص الذي يقع تحت تأثير الركوب مع الموجة يجد نوعاً من الراحة في القيام بما يفعله كثيرون آخرون. لكن في عالم الاستثمار، قد يقود اتباع الحشد إلى قرارات استثمارية سيئة.
على سبيل المثال، يمكن أن تحدث فقاعات سعرية، حيث يرتفع سعر أصل استثماري معين بشكل متواصل. ومع تدفق المزيد من المشترين، يمكن أن يرتفع السعر أكثر، مما يخلق حلقة مفرغة من الارتفاع المستمر للأسعار وزيادة الطلب على الأصل. وفي نهاية المطاف، قد يصل السعر إلى مستوى يتجاوز كل الأسس المالية، ليصبح مبالغاً في تقييمه بشكل كبير.
من الأفضل دائماً التحليل واتخاذ القرار بناءً على بحثك واستراتيجيتك الخاصة قبل الإقدام على أي استثمار. فكر في المدى الطويل بدلاً من الاتجاهات قصيرة المدى أو المزاج السائد في السوق. يمكنك أيضاً دراسة الاستثمار في أصول مقومة بأقل من قيمتها، والتي قد توفر عوائد أفضل مقارنة بالاستثمارات الشائعة، حتى وإن كانت أقل شعبية في السوق. من خلال هذه الاستراتيجيات، يمكنك تجنب الوقوع في فخ انحياز “عقلية القطيع”، وزيادة فرص الوصول إلى قرارات سليمة تستند إلى المعلومات والتحليلات.